الأحد، 31 أكتوبر 2010

{ في عـِقدي الثاني ..




في تشرين الثاني .. أتممت ُ يا أبي عِـقـْدِي َ الثاني ..

قد كانت آخر أيـّـامي فيه ِ مؤلمة ً ..

كبّرت قلبي الكثير َ من الأعوام .. بفـَقـْدِك ْ !

ما كان ليضرّه شيء .. بإيقانه بقضاء الله وحكمته ..

فكان مني بذلك لجوء ٌ وحـُسن ِ مسألته ..

أعوام ٌ عـِشرون ، لا أدري كيف َ مرّت ؟ وما حالها ؟

مضت فيها أيام كانت لـَعمري أكثر من عشرين !

ولكن يبقى عدّاده لا يتجاوز العشرين !

أبي ...

تركت َ فتاتـَك َ قبل أن تـُتـِّم َّ عِـقـْدَها الثاني ..

تتجرّع الغصـّة في قلبها .. بدونـك ْ !

كم أذكر دوما ً ؛ أنني كنت أظنـّـك قد نسيت َ هذا اليوم ..

حتى تـُباغتني بما أحب .. وكم كانت تكفيني ابتسامة ُ رِضاك َ على وجهي !

ودعوة ٌ منك لي .. تـُبهج ُ قـَـلبي وتـُسعـِدُه ..

ما زالت تلك الإبتسامة ..

وما زال الدعاء وصداه .. في قلبي ..

يؤنساني في وَحشـَتي .. ويُزيحان هم َّ قلبي ..

فأفرح ُ ! ، وأنطلق ُ من جديد ٍ ؛ بدعاءك !

أبي ؛ في أيام قبل تمامي لعـِقـْدِي َ الثاني .. كنت ُ قد زِدْت ُ عشرين عاما ً .. فكيف َ لي بباقي عـُمري ؟

يا رب ِّ لا راد ّ لقضاءك ، واحكم َ الحُكم َ فيه ..

ولكن يا أبي ؛ لم تعلم كم زِدْت َ في حنيني وشـَوقي للـُقيا ربي .. فقد زادت الودائع ُ ، وآخرها بك َ يا أبي !

فلا يهم ُّ الآن كم سيكون في عـُمري ويـَـنقضي ..أو ما يُـحـْـتــَسب ُ معنويا ً ..

يهمُّني يا رب وأنت َ راض ٍ عنـِّي ...


الجمعة، 29 أكتوبر 2010

معنى ً آخر ..




كم كنت ُ أزعم أنني أعرف ، وأفهم !

وأن ّ كل تأشيرة ً لها معنى ً في عقلي وقلبي ..

ولماذا الآن أجد ُ نفسي وحيدة ؟ ، تركبني الأسئلة والمفاهيم ..

ولا أملك من ذلك الفـَهم سوى حَسرة السؤال !!

أكـُنت َ تـَرمي أن تتركني لحسرة السؤال والنفس ؟

وتأنيب الضمير ووجع ِ القلب ؟

وهل كنت تحضّرها أيضا ً لكل ّ ذلك ؟ فأقنعتني ونفسي بأننا نفهمك ؟ ، وأننا نعرف الكثير ؟

وها قد رحلت َ الآن !

ولا أدري ،

أرى معرفتي كلها ، قد ذهبت معك !

وجعلتني مع أميّتي نقاسي ألم َ فِراقك .. الذي اعتدناه ..

ما تلك الثقة التي كانت تتملكني ؟ ، وأين هي َ ؟

ولماذا فقدت الكلمات معانيها لديّ ، فأصبحت ُ أتمنى من كل ِّ كلمة ٍ أن تحتوي معنى ً آخر ، غير َ الذي أعرف !!

ونفسي تــُـمنـِّي نفسها ، أنها لا تفهم الكلمات ولا تعيها ، وأنها تحتوي معنى ً آخر مخفيّ ، قد يظهر بين لحظةٍ وأخرى ..

نفسي وحدها ، تعلم ذلك المعنى ، ووحدها التي تؤمـِّل ُ في ذلك ..

وترتقب في ظل ِّ الأمل ..

ما كان الفـِراق في خاطرها ، مع أنها آمنت به كثيرا ً .. لكنـّها استبعدته على الأقل حتى قرن !

ولكن ّ القرن فجأة ؛ قد تحوّل لثوان ٍ معدودة ،

تتصارع ُ خلاله نفسي مع التوديع ، وسَـيـل الكلمات التي هاجت بذاكرتي ..

بأن : هناك الكثير ما أريد أن أُفصح َ عنه ؛ فلا تذهب الآن !

رحلوا جميعا ً ..

وما زالت الكلمات تعتصرني ، ولم تكن لتذهب كل تلك الكلمات وتدعني وشأني ..

بل كانت تزيد كل ّ يوم !

كأنها قد وجدت في مخيّلتي بيئة مناسبة ، لتعيش فيها وتتكاثر ..

وأراها الآن تتربى في ظلال ذلك أيضا !

*******

ألا أيتها الذكريات .. ما كنت ِ لتتركيني وشأني

ففي كل ِّ رُكن ٍ من الأركان ِ نجد من فقدناهم ، وكأنهم تركو أرواحهم في ذلك المكان ..

حتى إن عُدنا لذاك المكان يوما ً ؛ نراهم ! .. ونـُسرِّي بذلك عن أنفسنا !!

فكل ُّ رُكن ٍ من الأركان ِ يَركـُن ُ إليك ..

ألا ما أجملك أيتها الذكريات .. تركت ِ لنا أجمل ما يُحب القلب .. وأفضل ما رأت العين ، وخير َ ما سمعت الأذن ..

ولا تدرين أيتها الذكريات بعد ُ ، أنني بفضلك ؛ نسيت كل ما آلموني به ، وما آلمتنا به الحياة ..

وها أنا الآن ؛ أرى جمال الأيام التي قضيناها سويـّـا ً ، وأرى المحبة َ التي كانت لديّ لهم ، تزيد ُ مع الأيام ..

هم قالو قبلا ً ( بعيد ٌ عن العين ، بعيد ٌ عن القلب ) ! ، وكذبو في ذلك !

فلماذا الآن أجدني قد زادت محبّتهم في قلبي ، وعيني تراهم رغم أنهم راحلون ؟

ورغم َ أنفك َ أيها البُـعد ما زلت أحبهم ، ويعنون لي الكثير ..

وجودهم في حياتي أغناني عن الكثير .. وببعدهم كانت لديّ المناعة ُ عن غيرهم ..

ما ذاك الكم ُّ من العطاء ِ الذي أعطيتمونيه حتى وجدت ُ أنني أوزّعه على العالم كله وأُفيض عليهم منه عطاءا ً .. وكأنه لم يُمـَس ْ ؟

الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

الـــراحــــلـــــــون ْ ...!!!




بلـِّـغوا له مني التحية َ والسلام ْ ...
مبعوثان ِ بــِرِّق ٍ ..

على طير ٍ حمام ..!

هـَنـِؤه ُ بالعيد ..

فهو من غير ِ رضاه ُ ليس َ بـ سعيد ..!!!

ولن يضحي بذلك الكون ُ ..

في إشراقة الفجر ِ الجديد ..!!

وأنا ...!!

في بـُعـْـد ٍ طويل ْ !!

شدّوا الرحال َ من غيري ...

والشوق ُ سار بي لهناك َ ..

قبلهم ..!

طاف َ ، سعى ، ورمى ...

رمى الجمار َ على العدو ِّ الغابر ِ ..

وغادر َ البقاع َ ..

والشوق ُ يخنـُـقــُـه ُ ..

هل ْ من لقاء ٍ يكون ُ قريب ْ ؟!!

ثم َّ عاد ْ ...!

ذهب َ إلى الحبيب ْ ..

صلـّى هناك َ ومن ثــُم َّ دعى ...

والحزن يقتله ُ ..

والذنب ُ يـُـخزيه ْ ..

وعاد َ ..

عاد َ مهاجرا ً ..

هاجر َ وارتحل َ مـِن ْ أجمل ِ البقاع ْ ..

من بياض ٍ يعلوه ُ بياض ..

من فوقه ِ نور ٌ ..

يقتل ُ السـَّـراب ْ !!!

عاد َ لدنياه التي ودّعها من قليل ..

بـ نيّـَة ٍ صافية ٍ ..

تقتل الهم َّ والبرد َ والزمهرير ْ !!

يا رب ِّ تقبل ْ مــِنــّـا ..

فإنك بنا عفو ٌ كريم ْ ..

أتدري ..؟!

أنها كانت رواية ؟!

وتدري ، أن َّ ما ابتداعا ً ؟!

فمتى يا ترى يغدو مجازا ً ؟!!!!



*** الـــراحــــلـــــــون ْ ...!!! : العنوان مقتبس من اسم قصيدة للشاعر د. عبد المعطي الدالاتي

الأحد، 24 أكتوبر 2010

بداية ُ عـَهد ٍ جديد معك ..

ماذا أخط ُّ بقلمي ، ودم ُ قلبي يُسابقه ؟ .. يُريد أن يَبوح قبل الجميع بما يكتـَنـِه أحشاءه المنقبضة ..

بـ فـَقـْدِك ْ ! ..

من تلك اللحظة الأخيرة ، تتساءل نفسي .. أتـُراها تكون الأخيرة فعلا ً ؟ وأن لا رجوع َ بعدها ؟! كيف َ يكون ذلك إذن ؟!

إنها لآوّل مرّة - يا أبي - يَخطـُر في بالي فراقك .. ويباغتني فورا ً في تلك اللحظة .. لم َ استعجل هكذا مع القدر ، لست ُ أدري ؟!

دقائق ُ مرّت ، لا أعلم ما جرى بها .. حتى رأيتك وجسدك َ ممهدا ً هناك َ ( ومغطـّـى ) .. لم أشعر حينها بخوفي من الموتى ورهبتهم .. فقد أردت أن تمسـَّني أرواحهم وألقاك َ لأخبرك َ الكلمة الأخيرة ( ... ) ..

فـ ضممتـُك َ وقبـَّلتـُك َ .. وكانت ِ النظرة َ الأخير ...!

*****

تلك الدقائق لا أدري كيف مرّت ..

وجهك الوضـّـاء ، أزاح َ عن قلبي الكثير .. وابتسامة شـِديقك أنالتني كل بهجة في هذه الدنيا .. إن قدّرها لي القدر مُقدّما ً .. تكفيني تلك الإبتسامة المحفوظة !

آأبي ؛ إن ّ قلبي يحترق ُ لـَهيبا ً لفراقك .. ولا يملك ما يَرثي به ويتكلم .. وإنـّـه لمـَحزون !

رؤيتك المُبشـِّرة تلك .. أزالت عنه الكثير .. وإن كان ليحزن على شيء ؛ فعلى نفسه !

وكيف له أن يحزن ؟ ؛ وأنت َ لم تعلمه الحزن يوما ً .. وداريته بالصبر والحـِلم والأمل .. فأزلت َ الحزن وأبعدته ..

والآن ؛ ها قد رحلت َ وتركته وحيدا ً لكنه غير حزنان عليك ، بل على فراقك !

******

يا أبي ؛

أنت َ لم تفارقنا سوى جسدا ً .. لكن ّ روحك تلف ُّ قلبي لفـّـا ..

ويا أبي ! ، ها قد تركت فتاتك الصُغرى تشيخ ُ في أيام ٍ من دونك ! .. من ذا الذي - يا أبي - سيناقشها كما كنت َ تفعل ، ويصوّبها ويقوّمها ؟..

وروحك الطاهرة تلك .. تـُضفي على بيتنا هدوءا ً وسرورا ً ووقار ُ قلبك في وجودك ..

أنرثيك َ يا أبي أم نرثي أنفسنا ؟!

*******

كنت ُ دائما ً - يا أبي - اُراقب ُ الموت َ من حولنا ، كيف كان يخطف الناس .. ولم أر َ أنـّـه بهذه السرعة سيُصيبنا ويقترب منا .. هي أقدار الله يا قلبي !

وهي نفسها التي أرَتنا البُشرى على وجه أبي فما حزنـّـا على شيء بقدره على أنفسنا ..

*******

أبي .. كنت َ وما زلت َ وستبقى أروع َ إنسان عرفته ، ولا أعتقد أن ّ القدر سيـُظهر لي أحدا ً مثلك تماما ً ..

فهل يـُعَـوَّض الأب ؟

هي الأقدار يا أبي .. هي الأقدار يا قلبي .. وحال ُ الدنيا هكذا ، لا تـُسعدنا الدنيا بهم كثيرا ً عند وجودهم من ألامها وأحزانها وأشغالها .. وتنغص ُّ باقي حياتنا ببعدهم وفـَقـْدِهم ..

ما كانت وكنا مع الدنيا لننساكم ، فقلـّـما تجد الدنيا من أمثالكم ، فكيف لها حينها أن تنساكم ؟!

******

أعلم يا أبي كم آثرت الذهاب للرفيق الأعلى وأحببت ذلك وتمنيته ، وما خاب ظنـّـك يا أبي به .. فابتسامتك زادت من يقيني بذلك ..

لكنـّـه يبقى فراق ...!

ولأني أحبك يا أبي دوما ً وأبدا ً .. فمن المؤكد سأحب الذي أحببته وفضـّـلته .. ولأني أيضا ً على يقين ٍ أكثر بأنـّك هانئ البال ، سعيد الخاطر ، لا شيء يُـنغـِّص ُ عليك من هذه الدنيا .. حينها سأفرح لك .. ولن يكون لك حزن تحزن به .. فتحزن نفسي على فراقك !!

*******

أبي ..

لم أنته ِ بعد مما يجول ُ في خاطرتي .. ودائما ً - كالعادة - لحديثي معك تتمة ٌ وبقيـّـة .. ولقاؤنا لم ينته ِ بعد ..

روحك تزورني دوما ً .. أتمنى اليوم الذي روحي به تأتي إليك َ ومَـن ْ مَعـَك ْ !

ابنتك : أم ُّ الأنوار



الجمعة، 8 أكتوبر 2010

بريد ٌ مستعجل ٌ إلى أبي..





أبي ..

أود ُّ إخبارك َ ..

أن ّ قمر َ هـِـلالـِـك َ ما زال يـَـطـْـلـُعُ كل ّ يوم ٍ في حلب ..

وما زالت حلب بشغفها نفسه ذاك َ بانتظارك ..

فهي في كل يوم ٍ ترتدي حليتها ..

وتــُـرَتـِـب ُ نفسها .. لانتظارك

وهي كذلك منذ أمد ٍ بعيد .. لم تتغير

****

أبي ..


ما زالت حلب مثلما هي َ ..


لم أرَها من قبل ُ كيف َ كانت ..


لكن ّ عينـَـك َ قد أبدْعـَـتـْها رَسْـما ً في قلبي ..


...فـ حفظتـُـها ،، ووَعيتُها ..


جزءا ً جزءا ً


وحـَجرا ً حـَـجرا ً ..


والآن تـَـسوقني الأقدار ُ للذهاب ِ إليها ..


فأراها مثلما وَصـَفـْـت َ وأبهى ..


وتلك َ الأجزاء والتفاصيل ..


وقصص المسير في الأزقة والطرقات ..


وكل ّ شيء ، كل ّ شيء ..


إلاّك َ خال ٍ منها ..


وروحك َ تـَـسري في المكان .. فلا تكاد ُ تـُـفارق ُ حبّـة رمل ٍ منه ..!!

****

حـِكايات ٌ حكايات ..

في داركم تـُحكى الحكايات ..

وتـُـروى الروايات ..

فـ كل تـَـعبيرة ٍ منه .. تدل ُّ على من مرّ ههنا ..

من شقي ٍّ أو سعيد ..

من مـُحب ٍ أو بغيض ..

نقول لهم : أن ّ أثاركم ما زالت ههنا ، رغم كل ّ شيء ..

فانظروا ما أنتم صانعون !

****

حلب لم تفارقنا ، ولن ..

فكيف َ لها .. بعد أن عـُـركنا بترابها الطاهر ..

مع شـَـربة ٍ من فراتها ؟

وعطر من شذى وردها الجوري ّ ..

وتفتـّـح صوت فستقها الحلبي ّ ..

ولون سفرجلها .. وعطريـّـتها ؟

أتراها تفارقنا ؟ نفارقها ؟

****

من حلب يا أبتي تعلــّـمنا الوفاء ..

والصبر ..

فمهما دارت الأيام واستحكمت بها ..

سينالها الفرج .. وهكذا أخبرتنا يا أبتي ..

أنتما واحد ٌ يا أبي .. فكيف َ ننساكم أو نفارقكم ؟

****

هذا البريد المستعجل ؛ للأسف ، لم يكن من نصيب أبي لـ يصل إليه .. فـ كـُتب َ صباحا ً وهو غادرنا في نفس ذلك اليوم مساءا ً ..

بتاريخ : 6.أكتوبر.2010 - الأربعاء