الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

دورة حياة منتج = دورة حياة إنسان !






Product Life Cycle .. دورة حياة المنتج

تبدأ بالنموّ - Growth
ثم التطوّر - Development
ثمّ مرحلة النضج (وهي أعلى المراحل) - Mature

وبعدها تأتي مرحلة الإنقطاع - Decline

مرحلة الإنقطاع تكون لعدم تطوّر في هذا المنتج بالتالي قد امتلأت الأسواق منه، فالتطوير مهم لتبقى في الناس الرغبة في احتياجه وشراءه ..
التطوير والإضافة على هذا المنتج ، تؤدي إلى بدء دورة حياتيّة جديدة لهذا المنتج .. فأي إضافة هي (منتج جديد)
وهي المرحلة المُسماة بـ Re-investing .. إعادة الإستثمار
الفترة الزمنيّة غير محددة ، لأنّ كل منتج وسوق والعرض والطلب يختلف عن منتج لآخر .. فقد يمتد زمن كل مرحلة لسنوات أو يصل لأشهر أو ربما لأقل من ذلك ..

هذه الرسمة ليست فقط لما يعرف "البزنسر" ، هي دورة (حياتنا) نحن كذلك ..
فحين نصل لمرحلة النضج والإكتفاء مما نحن فيه من خيرٍ أو شرّ ... فالبدء من جديد هو أفضل حلّ ..
ليس التغافل عن ما مضى وسبق من الخطوات .. وإنما ابتداع الحياة بأسلوب ونمط جديدين :)))

أسأله تعالى أن يقدّرنا ويقوّينا دومًا للتجديد والبدء من جديد ... والثبات على الخير بعد ذلك ... آمين

الجمعة، 7 ديسمبر 2012

في ظلال جنّتين






الكهف - قصة أصحاب الجنة
-          الرجلين كانا مؤمنين
-          الجنتان آتت أكلها
-          إحدى صاحبيّ الجنتين له مالٌ وولد، عكس الآخر
-          يجحد بنعمة الله صاحبة المال والولد والخير العميم في الجنة ، بنسبة كل ذلك الخير لعمله وقوته
-          تذكير صاحب الجنة الاخرى لصاحبه بأنّ ذلك هو من فضل الله "ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله" ، برغم أنه أقل منه "مالاً وولدًا"
-          تذكير صاحب الجنة لصديقه أنّ لا يغتر بهذا الخير وأن يعود عن نسبة الخير لنفسه، لأنّ الله بقادر على أن يتلف هذا الزرع، أو يجعل الماء غائرًا في قعر الأرض ، فكيف سيصل إليه ؟
-          صبر واحتساب الطرف الآخر –صديقه الصالح- وعدم انكاره على وضعه لأنه قال " إن ترنِ أناْ أقل منك مالاً وولدا" ، واتعاظه من جحود ما يراه من صديقه ونصحه له رغم كل ذلك
-          وحين حصل لصاحب الجنة المغرور ما نبهه عليه صديقه ، "ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا" الشرك هنا –برؤيتي- ليس بأنه اتخذ إلاهً غير الله تعالى .. ولكنّه أشرك نفسه بالقوّة والقدرة ، وغرّته المنعة والمال والجنة والنعمة التي هو فيها .. فهو –برأيي- إشراكٌ معنويّ .. وأرى بذلك دليل قول صديقه له " ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله" أي ذكّره صديقه بأنّ هذه القوّة والجنة وجمالها هو من عند الله تعالى ، لا منك !
-          وحسب المجتمع الذي نعيش فيه ، فإنني أرى من هذه الأيات والتي يكثر بين الناس عن السحر والعَين ، اللواتي لا ننكر أثرهم .. ولكن !
·         الإنسان حين يرزقه الله فيجحد بنعمة الله عليه
·         حين لا يكون هو أول من يقول على من رزقه الله "ما شاء الله ، لا قوةّ إلاّ بالله" .. ففي عصرنا أصبحت هذه الكلمات مخصصة (للمشايخ) والملتزمين ! .. بينما أراها واجبةً على كل عبد يعرف نعمة الله تعالى عليه ويراها
·         المادية التي نعيش فيها بمجتمعاتنا ، جعلت الإنسان حين يصل لما يريد في زهوٍ وكبرٍ وغرور .. جميل أن يعتزّ الإنسان بما وصل إليه .. وأنّه بعد صعابٍ كثيرة وتعب جمّ ، قد وصل لما يريد .. ولكن عليه أن يتذكر بأن رغم كلّ ذلك الفضل والشكر والمنّة والحمد والثناء لله تعالى وحده .. فلولاه لما وصل لما وصل إليه ... وبدون شكره وحمده سيزول ما وصلت إليه ! ،
فبالشكر تدوم النعم ، وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴿ابراهيم: ٧﴾ ،،، وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴿سبإ: ١٣﴾



لمزيدٍ من الفائدة والتصوير ، في الظلال (ظلال القرآن - لسيّد قطب) ، تصويرٌ بديعٌ جميل ، موجود في الإقتباس التالي:
وتبدأ القصة بمشهد الجنتين في ازدهار وفخامة:
{واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب، وحففناهما بنخل، وجعلنا بينهما زرعاً.
كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً، وفجرنا خلالهما نهراً. وكان له ثمر}..فهما جنتان مثمرتان من الكروم، محفوفتان بسياج من النخيل، تتوسطهما الزروع، ويتفجر بينهما نهر.. إنه المنظر البهيج والحيوية الدافقة والمتاع والمال:{كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً}.. ويختار التعبير كلمة {تظلم} في معنى تنقص وتمنع، لتقابل بين الجنتين وصاحبهما الذي ظلم نفسه فبطر ولم يشكر، وازدهى وتكبر.وها هو ذا صاحب الجنتين تمتلئ نفسه بهما، ويزدهيه النظر إليهما، فيحس بالزهو، وينتفش كالديك، ويختال كالطاووس، ويتعالى على صاحبه الفقير: {فقال لصاحبه- وهو يحاوره- أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً}..ثم يخطو بصاحبه إلى إحدى الجنتين، وملء نفسه البطر، وملء جنبه الغرور؛ وقد نسي الله، ونسي أن يشكره على ما أعطاه؛ وظن أن هذه الجنان المثمرة لن تبيد أبداً، أنكر قيام الساعة أصلاً، وهبها قامت فسيجد هنالك الرعاية والإيثار! أليس من أصحاب الجنان في الدنيا فلا بد أن يكون جنابه ملحوظاً في الآخرة!{ودخل جنته وهو ظالم لنفسه. قال: ما أظن أن تبيد هذه أبداً، وما أظن الساعة قائمة. ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلباً}!إنه الغرور يخيل لذوي الجاه والسلطان والمتاع والثراء، أن القيم التي يعاملهم بها أهل هذه الدنيا الفانية تظل محفوظة لهم حتى في الملأ الأعلى! فما داموا يستطيلون على أهل هذه الأرض فلا بد أن يكون لهم عند السماء مكان ملحوظ!فأما صاحبه الذي لا مال له ولا نفر، ولا جنة عنده ولا ثمر.. فإنه معتز بما هو أبقى وأعلى. معتز بعقيدته وإيمانه. معتز بالله الذي تعنو له الجباه؛ فهو يجبه صاحبه المتبطر المغرور منكراً عليه بطره وكبره، يذكره بمنشئه المهين من ماء وطين، ويوجهه إلى الأدب الواجب في حق المنعم. وينذره عاقبة البطر والكبر. ويرجو عند ربه ما هو خير من الجنة والثمار:{قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً؟ لكنا هو الله ربي، ولا أشرك بربي أحداً. ولولا إذ دخلت جنتك قلت: ما شاء الله لا قوة إلا بالله. إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً. فعسى ربي أن يؤتين خيراً من جنتك، ويرسل عليها حسباناً من السماء فتصبح صعيداً زلقاً، أو يصبح ماؤها غوراً فلن تستطيع له طلباً}..وهكذا تنتفض عزة الإيمان في النفس المؤمنة، فلا تبالي المال والنفر، ولا تداري الغنى والبطر، ولا تتلعثم في الحق، ولا تجامل فيه الأصحاب. وهكذا يستشعر المؤمن أنه عزيز أمام الجاه والمال. وأن ما عند الله خير من أعراض الحياة، وأن فضل الله عظيم وهو يطمع في فضل الله.وأن نقمة الله جبارة وأنها وشيكة أن تصيب الغافلين المتبطرين.وفجأة ينقلنا السياق من مشهد النماء والازدهار إلى مشهد الدمار والبوار. ومن هيئة البطر، والاستكبار إلى هيئة الندم والاستغفار. فلقد كان ما توقعه الرجل المؤمن:{وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها، وهي خاوية على عروشها، ويقول: يا ليتني لم أشرك بربي أحداً}..وهو مشهد شاخص كامل: الثمر كله مدمر كأنما أخذ من كل جانب فلم يسلم منه شيء. والجنة خاوية على عروشها مهشمة محطمة. وصاحبها يقلب كفيه أسفاً وحزناً على ماله الضائع وجهده الذاهب. وهو نادم على إشراكه بالله، يعترف الآن بربوبيته ووحدانيته. ومع أنه لم يصرح بكلمة الشرك، إلا أن اعتزازه بقيمة أخرى أرضيه غير قيمة الإيمان كان شركاً ينكره الآن، ويندم عليه ويستعيذ منه بعد فوات الأوان.هنا يتفرد الله بالولاية والقدرة: فلا قوة إلا قوته، ولا نصر إلا نصره. وثوابه هو خير الثواب، وما يبقى عنده للمرء من خير فهو خير ما يتبقى:{ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله، وما كان منتصراً. هنالك الولاية لله الحق، هو خير ثواباً وخير عقباً}..ويسدل الستار على مشهد الجنة الخاوية على عروشها، وموقف صاحبها يقلب كفيه أسفاً وندماً وجلال الله يظلل الموقف، حيث تتوارى قدرة الإنسان..وأمام هذا المشهد يضرب مثلاً للحياة الدنيا كلها. فإذا هي كتلك الجنة المضروبة مثلاً قصيرة قصيرة، لا بقاء لها ولا قرار:{واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض، فأصبح هشيماً تذروه الرياح، وكان الله على كل شيء مقتدراً}.. 

السبت، 24 نوفمبر 2012

مُناجاة ، سبيلٌ جَديد ، وإلهٌ واجدٌ مَجيدْ !



· وقعنا


وغصنا


وتعلقنا
ربما نكون ارتبطنا بحبلٍ وثيق ٍ متين ؛ من وهم !

ربما !
لا يجب إنكار الصدق .. فالقلوب المؤمنة لا تكون سوى صادقة .. لا تعرف غير هذا السبيل ..


ألحينا كثيرًا ..وكان الله تعالى في كل إلحاح ٍ في الحياة ، يقول : يا عبدي ، هذا ليس لك !

يا عبدي ، هذا لا يُلاؤمك !

يا عبدي ، لا يغرّك مظهره

 !يا عبدي ، دعه ولك خيرٌ منه !

يا عبدي ، مهما ألحيت على ما تريد ، فأنا معك !

وفي النفس يتردد قول الحبيب : " احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز"

ويبقى في النفس شيءٌ من متاع الدنيا وزينتها .. وتبقى تهوى وتتمنى ..
وبالله تستعين !


كثيرةٌ حقيقة هي الأشياء التي تواجهنا كل يوم .. في كل يوم ٍ يزيد به عمرنا .. تزيد الأشياء!

في كل يومٍ يكونُ الصراع هذا ..

وبهذه القلوب والنفوس المؤمنة المطمئنة لقضاء الله تعالى وقدره ، والذي رغم هواها ، مدركة أنّ رزق الله تعالى آتٍ مهما فعل غيرها لعدم ذلك .. فرزق الله حاصل ٌ حاصلْ !


والله جلّ في علاه وحدهُ مطلعٌ على هذه القلوب والنفوس .. أدرى بها وما بها ، فهو ربّها !

كثيرةٌ هي الرسائل التي تصلنا من الله تعالى ، كثيرةٌ هي الآمال ُ فينا !
نؤمل ، ونؤجل !
لم أشكك يومًا من ثقتي بالله عز وجل ، لم أشكك يومًا من يقيني بوقوفه معي ، لم أشكك يومًا بمشاهدته لي،

 وقربه مني أدن من حبل الوريد!

لكن يا رب ! .. أنتَ أعلم وأدرى ! .. وأنا بما أريد لا أعلم !


حتى جاء أمرُ الله تعالى .. بعد دعاءٍ وخشوع ورهبة ..

بعد صمت ٍ !


بعد أن اعتقدت أيّها الإنسان أنّ الله تعالى سييسر لك أمرًا .. ما كان منه إلاّ أن جعل لك كلّ شيءٍ واضحًا !

فبعد إلحاحك ، ولأنّه رأى فيك قلبك ونفسك ..

 ورأى فيكَ صدق توكلك عليه !

ورأى فيكَ إلحاحك لما تريد .. ورأى أيضًا إيمانك الأقوى بما هو يريد !

فكأنه أمسك بيديك .. أزال غشاوة امتدت زمنًا طويًلا على عينيك ..

وقال لك : - يا عبدي .. هذا ما كنت لا أرجوه لك ! 

 يا عبدي ، مقامك عندي أعلى من هذا .. وأرجو لك شيئً مثله ! -

يا عبدي ، ما أريتك هذا الذي أريتك إيّاه سوى ليطمئن قلبك .. فلقد رأيتُ في قلبكَ إيمان نبيي إبراهيم عليه السلام ويقينه ، فأريتك من حقّ أريته إيّاه ؛ فاطمئن قلبيكما !، لتعلم ويزيد يقينك "...وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿البقرة: ٢٦٠﴾"

رأيت في قلبك تقوى يوسُفَ وعلمه ، فما أردت إلاّ أن أزيدك تقوىً وأُذهب عنكَ هوى نفسك! رأيتُ فيكَ دعاء موسى وإلحاحه ، فما كان مني إلا أن أجبتك مثلما أجبت صدقه " يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ﴿القصص: ٣١﴾"

يا عبدي ، لا تيأس على ما كان .. فكلّه قد زال !

يا عبدي ، أقبل ولا تخف .. فأنا إلهك وربّك وناظرك والشّاهد عليك، الأعلم بك منك ، الأقرب ممن تحب إليك!

يا عبدي ، مهما طال السفر في أمرٍ أنتَ أردته ، لا تأسَ عليه ..

يا عبدي ، لم يطل بك المسافُ إلاّ زادك زادًا وقوّة وقُربًا ، فكنتَ رغم ما كنت تتمنى على العهد ومكانكَ لم تبرحه، بل ارتفعت !

فكان صبرك رغم ألمك .. ورأيت َ الحقّ مني ، وصدق وعدي لك !


ياربّ حاشاكَ أن تردّ قلبًا ألح ، ولم يطرق غيرَ بابِكْ !

ولا تكن في عمىً عنه ، حتى لا ترى رسائله لك .. ولا تكن في بُعدٍ حتى تتساوى عندك الزوايا !

إن لم ترَ .. فذلك قُصرٌ منك .. ضعفٌ فيك !

الله لا يترك عبدًا استجار به ولو كان كافرًا .. فكيف بقلبٍ به ذرّة من إيمان تقول: لا إله إلاّ أنت يا الله !

لا تلح عليه بأني لا أرى .. ألحّ عليه بأن أرني !

لا تلح عليه بأني بعيد .. ألحّ عليه أن قرّبني منك !

لا تقل أنني منسيٌ لا يُرسل إلي .. بل ، يارب اهدني ، وابقَ معي حتى أرى الحق بك !





السبت، 13 أكتوبر 2012

مدادُ مطلقْ ،، ومنطقْ !




بسم الله الرحمن الرحيم

ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهه قولي ، واجعل لي وزيرًا من أهلي ، أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري ، كي نسبحك كثيرًا ونذكرك كثيرًا إنك يا الله بنا بصيرا
اللهم لا علم لنا إلاّ ما علمتنا ، ولا حول ولا قوّة لنا إلاّ بك ..

          قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَابمِثْلِهِ مَدَدًا ﴿الكهف: ١٠٩﴾
يحار فكري دومًا في قوله تعالى هذا ، ولا يتسع لاستيعاب تقدير "ماء الأرض" كلها الموجود بمساحة ثلاث أرباع الأرض! .. فكيف بمزيده ؟!
ربما لأنني لا أملك فصاحة ً ،بل وأكيد، لأجد كيف يمكن للإنسان أن يكتب ويُنهي حبر قلمه ، ثم يكتب ويكتب ويكتب ويكتب ! .. وتنتهي الأقلام من خلفه ، والأحبار والطبائع ، ولا ينتهي كلامه ! ... لا أعتقد ذلك ! .. خاصة أنّني قد لا استهلك في عام ٍ كامل "رغم كثرة ما أكتب وأعلق هنا وهناك" أكثر من قلميْ حبر !
في عصر عولمتنا هذا وسرعته .. مقدار الكمّ المستعمل من الأوراق والأحبار كثير ، وذلك يكلف الكثير من الأشجار والتصنيع للأحبار .. ولكن حين اخترعوا "الطابعة الليزرية" كانت إحدى مرشدات لاستهلاك الأحبار في العالم ؛ كميات منسوخة كبيرة بحجم أقل من الأحبار في الطابعات الأخرى المعتادة .
ما هو المداد ؟
يقول الزمخشري في كتابه وتفسيره الكشاف:
"المداد: اسم ما تمد به الدواة من الحبر وما يمد به السراج من السليط"
وهو قطعة صغيرة جدًا جدًا موجودة داخل القلم عند رأسه من الداخل ، تكون أداة لنقل الحبر من مكانه إلى رأسه حين الكتابة.
أنا هنا لستُ أشكك في قدرة الله سبحانه وتعالى –معاذ الله، فمن أنا؟- على المداد والكتابة وانتهاء الأبحر ماءًا ، والصخور قرطاسًا ، والأشجارَ ألوانًا ،، لكنني أحاول أن استنبط قدرة عظيمة لله عزّ وجل تجعلني أمامه أصغر وأصغر !

لكنني لا أنكر أنّ إحدى الأسباب التي جعلتني أصغرُ وأصغر هي ؛ حين تقرأ في علم التفسير .. فحين ترى من الكتب فقط في الإعجاز الحَرفي في القرآن الكريم ، فهذا كتابٌ مختص "فقط" لأدوات النفي والنهي في القرآن ومقارنة أوضاعها وصيغها ، وهذا إعجاز بلاغيّ وهو مهما كتب بها الكُتّاب والأدباء والعلماء لن ينتهوا منه ، وكتاب في إعجاز ٍ علمي ؛ في الأفاق والأنفس البشرية والحيوانية والنباتية وغيرها ..
*فائدة: الإعجاز العلمي؛ وهو مما اشتُهر بين الناس ، وحين نقول إعجازًا علميًا في القرآن الكريم فنحن هنا نعطي الأية "بعضًا" من تصوّرها واعتقادنا أنه لها ، وقد يكون المقصد لأمر ٍ آخر لذلك الإعجاز العلميّ في القرآن وذكره لا يُعد تفسيرًا إنما مجردَ اجتهاد.
وهذا كتاب إعجاز في الطب ، وفي اللغة والبيان، وفي العرض والإتقان ، ما هو متماشٍ مع كل زمان ومكان ، يسلب من العقول لُبها ، ويُثبتُ صاحب الحجة وبرهانها، يزيل عن القلب غشاوته وعن العقل حجابه ، يفتح البصائر لمن أراد ويكون للطامحين مرادًا وخيرَ زاد ، ترى فيه للدنيا وصفَهُ الأخيار والأشرار ، وصفات أهل ِ الجنة وصفات أهل النار ، لكل معنىً منه معاني ، وترى اختلاف المعنى في حياتك على اختلاف ِ الزمانِ ، ليس فيه تناقضٌ ولا تضاد ، هو كتاب الله تعالى المُنزَل وكلامه المُرسل ..
إنّ أية من أيات الله سبحانه وتعالى تحتاج من العلماء منذ 1500 عام ٍ تقريبًا حتى يومنا هذا من اكتشاف ٍ واجتهاد ، وإخراج معان ٍ وفوائد ، إنه لحق ٌ كلام ٌ عظيم ، وشأن أعظم !
ربما كان هذا الدليل -بالنسبة لي -  مدخلاً لفهم "مداد" ، وجعل أو تصوّر قدرة الله تعالى في كلامه وكتابته وبقاء إمداده بماء البحر "حسب الصورة في الأية " هو الأمر العجيب !
فحين نتخيل أنّ حرفًا واحدًا أخذ من العلماء ما أخذ من أعمارهم ، وأنّ مجلّدات كتبت وكتبت في فهم حرف ! لذلك أمر ٌ عجيب ! .. ولم ينتهو !
لم نتطرق بعد لذكر أننا إن ذكرنا "القراءات العشر" في هذا الأمر ، فهذا سيجعل الباب أوسع من ناحية التخيل واستيعاب القدرة !
فالقراءات العشر كانت لتسهيل القراءة على الناس ، وتنزلت بلسان قريش ومن حولهم ، حين نزل القرآن على سبع أحرف، أي؛ سبعة أوجه ..
ففي كل وجه ٍ نستطيع استنباط معنىً ، وفي كل وجه ٍ نستطيع استنباط حكمة ، حُكمًا شرعيًا .... إلخ
والأجمل والأبدع في كل هذا ، أنّ رغم اختلاف الأوجه في القراءة إلاّ أنها في كل معانيها تعطي تتمة ً للمعنى ، وحكمًا لا يتضارب مع أخيه !
-حقيقة- يحار الفكر في كل ذلك .. في وصف قدرته جلّ في علاه في كتابة نعجز نحن في بلاغتنا ، في علمنا وفهمنا عن إدراكها ، عن معرفة حدودها اللامحدودة ! .. نقف قاصرون َ دون ذلك ! ، ويقف العقل عند قدرته على تخيّل المطلق في ملكوت وفلك ِ كتابه العزيز ؛ القرآن الكريم !
وما يُحيّر أيضًا هو أننا في كل مرّة نقرأ فيها القرآن الكريم ، وحتى حين نمرّ على الآيات نفسها ، تكون المعاني في ذهننا مختلفة ، فمرةً نراه يواسينا في تلك الآية ، ومرة ً يشاركنا همّنا، ومرّة نراه الدليل المُرشِد ، ومرةً نراه الحبيب المطبب .. إنّ أجمل القراءات ما رأيتها وعرفتها حين تشعر أنّ الآية تنزّلت الآن عليكْ وتقرأها أوّل مرّة !

وأختم أفكاري الشائكة المتشعبة في غضون آية ، بل فكرة ، بل كلمة ! ، بقول الفخر الرازي في تفسيره حين قال عن هذه الآية :
ذكر مسائل موجودة في هذه الآية : وهذه نقطة ٌ منها :
" اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ أَنْوَاعَ الدَّلَائِلِ وَالْبَيِّنَاتِ وَشَرَحَ أَقَاصِيصَ الْأَوَّلِينَ نَبَّهَ عَلَى كَمَالِ حَالِ الْقُرْآنِ فَقَالَ: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي وَالْمِدَادُ اسْمٌ لِمَا تُمَدُّ بِهِ الدَّوَاةُ مِنَ الْحِبْرِ وَلِمَا يُمَدُّ بِهِ السِّرَاجُ مِنَ السَّلِيطِ، وَالْمَعْنَى لَوْ كُتِبَتْ كَلِمَاتُ عِلْمِ اللَّهِ وَحِكَمُهُ وَكَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لَهَا وَالْمُرَادُ بِالْبَحْرِ الْجِنْسُ لَنَفِدَ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ الْكَلِمَاتُ، وَتَقْرِيرُ الْكَلَامِ أَنَّ الْبِحَارَ كَيْفَمَا فَرَضَتْ فِي الِاتِّسَاعِ وَالْعَظَمَةِ فَهِيَ مُتَنَاهِيَةٌ وَمَعْلُومَاتُ اللَّهِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ وَالْمُتَنَاهِي لَا يَفِي الْبَتَّةَ بِغَيْرِ الْمُتَنَاهِي، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ يَنْفَدَ بِالْيَاءِ لِتُقَدِّمِ الْفِعْلِ عَلَى الْجَمْعِ وَالْبَاقُونَ بِالتَّاءِ لِتَأْنِيثِ كَلِمَاتٍ،
وَرُوِيَ أَنَّ حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ قَالَ: فِي كِتَابِكُمْ: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة: 269] ثم تقرأون: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الْإِسْرَاءِ: 85] فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ "

سبحانك يا الله ! ، ما عبدناكَ حقَّ عبادتكْ !

والله أعلم !