الجمعة، 18 أكتوبر 2013

الخـَضرُ بيننا .. كيف تتعامل معه ؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

سأكتب اليوم عن موضوعٍ لطالما شدّني ، واسترعاني في كلّ موقفٍ أمرّ فيه في حياتي ، ومواقف الناس التي أراها من حولي !

عن دائرة الزمن الذي نعيش فيه ، عن الاحداث التي تتكرر في حياتنا ، ويكون ردنا تجاهها ذاته في كلّ مرّة ... وقليلاً ما نُغيّر 

عن معيار الزمن الفاصل بين ما يحدث في حياتنا ، وبين الحقائق الخفية التي تظهر بعد زمنٍ ما ... وبعد موقف ما ، ربما

عن قصّة سيّدنا موسى عليه الصلاة والسلام مع العبد الصالح والذي يُطلق عليه أحيانًا بـ (الخضر) ... وقد نقف عند التعبير القرآني -وهو ما أفضّله- عند كلمة /العبد الصالح/ ، أي ليس نبيًا أو رسولاً ، وليس ذا دعاوى خارقة ومُعجزة !

وما دخل الرّبط بين قصّة موسى عليه السلام والعبد الصالح ، وبين واقعنا وحياتنا اليوم ؟

لن أذكر الموضوع من جهة تفسيرية .. بل ستكون على النحو التالي ؛

بدايةً ؛
قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح ذُكرت في سورة الكهف ، وموضوع سورة الكهف عامّةً عن ( #الفتنة ) ، فتنة العِلم ، فتنة المال ، فتنة الجاه وفتنة السُّـلطة

وقصّة سيدنا موسى تتحدث عن فتنة العِلم ، العِلم الذي ليس لأي أحدٍ حكر عليه ،حتى لو كان نبيًا ، فكلّ عالِم فوقه من هو أعلم منه ، فكان العبد الصالح /الخضر/ هو ممّن حباه الله تعالى ببعضِ عِلمه ، وكان الخضر هو أحد جنود الله ليقوم ببعض الأعمال التي كفّلها به الله .. 
ملاحظة: أي إنسان -في عصرنا- يدّعي عِلمًا كالذي جاء به وقاله العبد الصالح /الخضر/ في زماننا وعصرنا ، حُكم الشّرع فيه : القَصاصُ بالقتل !

والجدير بالذّكر ، أنّ موسى عليه السلام (يعلم) أنّ العبد الصالح هذا لديه علم خاص من الله ، وذكر له الخضر أنّ رحلتك معي هذه لن تطيق صبرًا على ما تراه ،،

الموقف الأول:  تمامًا كحياتنا ، وحوادثها التي ظاهرها شرٌ محض ، وداخلها كلّ الخير 

هو لم يستطيع صبرًا على خَرق السفينة ، بينما كان هذا السبب /العيب في السفينة/ هو ما منع الملك الظالم في ذلك الزمن على عدم أخذه للسفينة لأنّه وجد فيها عَيبًا !

ولم يستطيع صبرًا على قتل الفتى ، والذي رآه يافعًا مليئًا بالشباب والحيوية ، وهو السبب الذي حدّ من فتنةِ أبويه فيكفران بسببه وحبهم له بعد سنينِ إيمانهم الطويلة !

كذلك لم يستطيع الصبرَ على فِعل الخير الذي فعله العبد الصالح مع أهل تلك القريةِ اللؤماء وسيّئي الأخلاق ، وظهرت في بُخلهم بتقديم الضيافة لهم ، بفِعله بترميم الجدار المتهالك والآيل للسقوط !

الموقف الثاني: نحن نؤمن أنّ كلّ شيء يحصل في حياتنا هو بسببٍ من الله وحده ، وأنّ أمورنا مرّدها إلى الله تعالى ، فلماذا نتذمر ونستاءُ دومًا من كلّ موقفٍ نمرّ فيه ... ولكنّ الراحة هي ما يلازمنا بعد انفراجه وظهورِ خَيرهْ !

كما نعلم أنّ ما بعدِ هذا العُسر لن يكون سوى اليُسر .... مع ذلك نتألم ولا نصبر !


وبعدَ هذه القصّة ، نعم ، ذهب الخضر ، ورحل بكلّ تفاصيلهِ ، ولن يعود من هم أمثاله ... لكنّ جُنودَ الله تعالى في هذا الكون موجودين ، ونواميسه موجودة ، لا تنفى .. وسنّته ثابتة حتى نهاية الحياة ..

بأنّ (مع) العُسرِ يُسرًا .... ولن يَغلبَ عسُرٌ واحدٌ يُسرين !

الاثنين، 7 أكتوبر 2013

ساعةُ فَقـْدٍ ،،، وعُمرٌ طويلْ




كمثل هذه الليلة من ثلاث سنوات ... 6. تشرين الأول 2010
خرج وخرج قلبي معه ... أوصلته للسيارة وقال لي : عودي واجلسي في البيتِ مع أختك!
وهو جالسٌ في انتظار أخي حتى يقدم فنسعفه للمشفى ... نظرَتـَهُ لم تتركني ... كانت تتعمّق في داخلي ، تخترقني ، تُحرّكُ كلَّ حاسّةٍ .. كلّ وجع ... وأنّ الفقدَ بعد الآن هو الحائل!
كان حَيِيًا ، لا أذكر أن نظرة طويلةً كهذه طالت بيننا ... وربما كان ما يمنعني حيائي منه، فأغض طرفَ عيني ... ولكن الموقف مختلف !
كان حديث العيون بيننا ... كان العَهْدُ والوعدُ ... كانت نظرةً أشحن منها سنينًا ستكونُ من بعده دونه ..
وأنّك يا ابنتي الصغيرةُ التي أخافُ عليها، ولم يُعطني الزمن والقدرُ فرصةً لأرعاها مع/من عِراكِ الحياة...
أدرك أبي أنني أدركتُ رسالته ، لأنني لأوّل مرّةٍ -كذلك- أستطيع النظر في جمال عينيه الخضر العسَليتين ، حتى عمقِ شريانِ قلبهِ الذي أوجَعهْ !
فكانت نظرة المتوجّس الخائف ... فهززت برأسي أمامه ، بمن أحسّ بوقوع الفاجعة ، لكنّ عينيه ثبتتا على الفِكرةِ ذاتها ، فدمّعت عينايَ أمامه ... ومنعتـُهما !
نعم ،
كان ألمه هذه المرّة مختلفًا عن كلّ مرة ... فقد كان ألم الوداع ... ألم الإحتضار ! ، حيث لا يستطيع المرء أن يُرائي ولا أن يُكابر !
استطاع أن يقف بكامل عباءته البيضاء -رغم ألمه- أمام المرآة ليُمشّط شعره ، فهو أنيقٌ رغم بساطته، وما زال ماء الوضوء عليه لم يجفْ !
ذهبت معه للسيارة وهو يمشي مشيته المعتادة بكامل قواه ... جلس ، والألم يعتركه ، لم ينبت بوصيّة أو حتى أدنى كلمة - سوى همسات أدعية لم أفهمها! ... لكنّ عيناه ما زالتا تلاحقنني وتتفقا معي وتتعهداني..
عدت للبيت ، خائرة القوى ، وقد فقدت كلّ شيء .... عدت أبكي وأبكي وأنفجرُ بكاءً /
هو لن يعود ! ... حاولت اختي تقول : لا تفاولي عليه ! .... لكنّه القدر قد أتى يا أختي، ولن يعود!!
ولم يعد ... ونحن من سيلحق به !
بعد 3 ساعات من المستشفى وقد أخفى الأمر عنا ، حتى الإسعافات وهذه الإجراءات ... وصلنا تأكيد الخبر ... كان بدون احساس البتة !
وحده الشيء الذي كان يجلجل في هول الموقف ، كلام الصّديق رضي الله عنه: من كان يعبدُ محمدًا فإنّ محمدًا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيًا لا يموت !
حتى وجدته مُسجّىً ، شهيد الوطن الجميل المحروق القلب المتآلم له وبه ... ابتسامته ملء شدقيه ! ..

أبي ،
أخبرني ، ماذا فعلت في حياتك حتى نلت منزلة كهذه ؟
أخبرني ، أيّ إخلاصٍ تملّكته في قلبك حتى تحقق رجاك ؟
وأيّ كلمة كانت في حياتك هي السبب لكل خيرٍ أتاكَ وأتانا ؟
وأيّ حبٍ للوطن ، وأي بِرٍ للأم كنت تفعل ؟ حتى أرسلك الله من غير أن ندري كلّنا ، إلى وطنك الذي أحببت ، ودُفنت بجانب من أحبّتك !
ما زالت كلماتك وحرقة الوطن فيكَ بيننا أذكرها ... وكلام عيد الفطر الأخير أذكرها.. حتى متى ؟ ... ها قد جاءت الثورة يا أبي ... قد جاءت !

أبي ،
كيف أجعل قلبي كقلبك ، يحتمل هذا المجتمع بكلّ أطيافه وأشكاله ؟
بكل أفكاره ومخالطاته وتضاداته ؟
أذكر كتابًا سألتك عنه ، فقلت لي : اقرأيه ، ولكن يجب أن تكوني هادئة لا متشنجة، لما فيه من أفكارٍ بتضاد ما نعرف من الصحّة عن الرسول عليه السلام وصحبه !

يا أبي ،
لم تُخبرني كيف تكون هذه الحياة وسط هذه الحشود المهيبة ، فقد كنتَ أنتَ الحياة لي..
لم تقلْ لي كيف يتشعب الناس في هذه الدنيا ، وأنت المعلم والطبيب والصديق لي !

أبي ، كيف اللقاء يكون قريب ؟ والغربة والظلم قد حالا دوننا ؟
وكيف يستوعب القلب والعقل فقدَكَ وأنت بيننا بكامل الغياب !

أبي ،
علّمتني الكثير الكثير ... بما كنت تفعله عندنا وتتصرفه .. بما تركته في أثرٍ فيّ في تصرّفاتك لا كلامك وأوامرك ... حتى أيقنت في عُمري هذا ، كم أنني أثقلت عليكَ ، وكم كنت صاااااااااااااااااااااابرًا لتحتمل تُرّهاتِ طفلتك المدللة الصغيرة !
يا أبي ، أجد التربية على هذا العهد مشقةً وصعوبة ! .... فكيف ومن أين لي كلّ هذا الصبر؟
وكم يحتاج الإنسان أن يُربّي نفسه ويتعهدها ، حتى يصل لمرحلة المشاركة ومن ثم مسؤولية غيره !
يا أبي ... الكون واسع وفسيح ... وأنتَ رحلتَ وحدك من دوننا -على غير عادتك- ، والربُّ واحد لنا جميعًا ، من تولاّك يتولّانا ... فلستُ أرفض قضاء الله .. بل أفقد إنسانًا يعني لي الكثير!
أفقدُ قلبًا وَسِعَني كما لم يَسعني كثيرون من حَولي ... كل القلوب لا شيء بجانب قلبكْ !
وإنّا على العهد والوعد ... والأمر الذي علّمتنا ، والأساس الذي جمعنا ، كنتَ مُسلمًا ، فكنا مُسلمين بفضل الله أولاً ، وبسببكَ وحُسنِ خُلِقِكْ !

سيزيد الزمن ، والإنسان لا ينسى ، أكبر كذبة هي النسيان ، ستزيد الفجوة ، ستزيد الحاجة ، ستزيد الفكرة أنني أضعت الكثيرَ بدون التعلّم منك ، والنهلِ من جمالِكْ ...... فيا لفجيعة الفكرة!

ولا نقولُ إلاّ ما يُرضي ربّنا ... إنّا لله وإنّا إليه راجعونْ
سألتقيكَ في الوطن ... سيكون يوم النّصر حينها ، نصر القلوب والأنفس ، واجتماعها في الوطن وحسب ....
سآتيكْ حينها ، وحينها فقط ؛ يكون اللقاء ؛ لقاءْ !

وكعادتك في أيام ذي الحجة ... وصوت تكبيراتك في البيت ، وجلجلة نداء الله وحده ؛ الله أكبر كبيرا ...... ولا أقول إلاّ تتمتها ؛ ربّ اغفر لي ولوالديّ ، ربّ ارحمهما كما ربّياني صغيرًا ..
المكان ليس للحديث عن كلّ شيء ، فالحياة والمواقف أكبر ...

خاسرٌ وألف خاسر من يُزعل أحبابه منه ، خاسرٌ من فقد والديه وهما على قيد الحياة؛ خاسرٌ لا يملك شيء ! 

رحمك الله ، وطبتَ حيًا وميّتًا !

ابنتك التي أنتَ من أسماها ؛ البـَتـُولْ