الخميس، 2 ديسمبر 2010

سُقيا رَحمة !




بسم الله الرحمن الرحيم

من ّ الله علينا اليوم بحضور صلاة الإستسقاء .. ولأوّل مرّة أحضر هذه الصلاة ..

في طريقي للذهاب لصلاة الإستسقاء .. لا أدري ما الذي جعلني أذكر قصّـة سيدنا موسى عليه السلام عندما جمع 70 رجلا ً من قومه لميقات الله ..

فشعرت بأني بهذه الصلاة .. وتوجهي لتلك المنطقة .. كالذي قد ذهب ليناجي الله ويقف بين يديه .. ليتلقى ما يتلقى !

أن تذهب للصلاة .. لم يكن يـَخطر في بالي أن ّ لهذه الصلاة هذا الأثر الكبير ! .. فاختيار الدين لموقع ٍ مفتوح لتتم صلاة الإستسقاء ، من المؤكد لم يكن عبثا ! ..

تشعر فعلا .. عند دخول الناس وتوافدهم .. ودخولكم جميعا ً للصلاة

كأنـّهم مجتمعون للحساب .. وتفريغ ما في قلوبهم .. فقلوبهم مثقلة .. وكلـّهم أمل ٌ ورجاء أن يتوب الله عنهم ويعفو ..

وكأنهم أيضا ً ؛ يختبرون بهذه الصلاة صفاء نواياهم وأعمالهم .. فالقبول ونزول المطر .. دلالة ذلك ..


فوصلنا إليهم .. وقلوبهم منكسرة : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه !

كان المكان كما توقعت .. مليء بالروحانيات .. و(الهدوء) .. ولا يُسمع سوى صوت استغفار الإمام من السماعات .. وتحرّك الهواء !



وكأن ّ الكل جُـلوس ٌ مرتقبون حكما ً ما يُحكم بهم .. وينتهون من انتظارهم هذا .. وعلى رؤوسهم الطير !

سَـرت القشعريرة ُ في جَـسدي .. شعرت لوهلة من الزمن أنني لا أنتمي لأحد .. وأنني فعلا بين يديّ الله ! .. وكأنني في تلك اللحظة .. لا أستطيع الذهاب يـُمنة ً أو يـُسرة ً .. فبقيت ُ في مكاني بدون حـِراك !!

حتى أعلن َ الإمام إقامة صلاة الإستسقاء .. فأخبرنا : أن ّ صلاة الإستسقاء مثلها مثل صلاة العيد .. الركعة الأولى يكون بها 7 تكبيرات وقراءة سورة الأعلى .. والركعة الثانية بها 5 تكبيرات وقراءة سورة الغاشية .. وهي بلا أذان ٍ ولا إقامة ..

فتأهب الجميع للقيام ؛ لأداء الصلاة ..




وعندما انتهينا من الصلاة .. شعرت بها كأن ّ شيئا ً ثقيلا ً انزاح عن قلبي .. وأزاح همّـه .. وأغدق سكينة ً وهدوء ً ، كتلك التي كانت تحف ُّ المكان ..

فالتفت ُ بعد َ الصلاة .. لأجد هذه خلفي .. تنظر ُ إلينا !


وتساءلت ُ في نفسي :

أتوبتنا ، وأعمالنا خلال هذين اليومين عندما سمعنا عن صلاة الإستسقاء ، نصحونا أن نتصدق ونصوم ونردّ الحقوق لأصحابها وأن نستغفر الله .. فهذه هيّ السنة في ذلك ..

أكلـّـها هذه ، أنتجت هذه الغـُيـَيْمة ؟

إن كان ذلك صحيحا ً .. فما ظننا بالأعمال التي فعلناها سابقا ً ؟ وهل أصلا ً هي مقبولة إذن ؟

وأخذتها بعد ذلك من جانب ٍ آخر .. أن ّ الله يمن ّ علينا رغم تقصيرنا الكثييير تجاهه .. ليس لأننا أهل ٌ لما يُقدمه لنا .. بل لأنـّه أهل الكرم والجود والمغفرة ..

ولا يحتاج من عذابنا شيء .. ولأنـّه يحبـّنا .. والله رؤوف ٌ بمن يحب ..

أنا على يقين ٍ بأن ّ الله لن يخذلنا ولن يخذل دعاءنا اليوم ؛ إن شاء الله .. فحاشاه أن يردّ دعاء عبده أو أيدي رفعت أكف َّ الضراعة ِ إليه ..

فدعاؤنا وأعمالنا جميعها محفوظة ٌ لديه .. فإن لم يُستجب اليوم ، فغدا ً .. فإن لم يكن غدا ً .. فسنلقى دعاءنا بإذنه جزاء ً لنا في الجنـّة ..

وخـَطب َ الإمام بنا .. خطبة الإستسقاء .. وبعدها في القـِسم الثاني للخطبة ، كان الدعاء ..

ومن سُنن هذا الدُعاء .. يُندب أن تـُلبس الملابس -لدى الرجال- مقلوبة على ظهرها .. فتـُـلبس حينها اليد اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى .. والأكف عند الدعاء تكون مقلوبة ؛ فبطن الكف ّ للأرض وظهر الكف للسماء ..

وفي ذلك وجه ٌ من أوجه ِ التذلل الظاهرية في الدعاء .. ولا ننسى تذلل القلب وانوصاله بالله حين الدعاء ..

بعد ذلك .. قام َ الجمع ُ بالمـُغادرة .. مُعلنين فيها انتهاء ما كانو فيه ! .. فإما ينجح دعاؤنا فيسقينا الله مطرا ً سائغا ً يكون لنا سُقيا رحمة .. وإما ..........


وبقيت تلك الـغُـيـَيْمة واقفة ً .. حتى خرجنا .. فوجدتها .. كأنـّها تخبرنا بشيء ٍ ما ..

ومؤكد ٌ أن ّ أملنا بالله باق ٍ .. وظننا به ِ جميل ٌ ..

***

تجربة الإستسقاء هذه ، جميلة ٌ ورائعة ! .. وإن لم تـُمطر ِ السماء على الأرض مطرا ً .. فأنا موقنة ٌ أنها أمطرت على قلوب العباد الذين حَـضرو اليوم فرحا ً وغـِبطة ً بمناجاة الله ..

فكلهم خرجوا .. وهم متفائلون وكلهم أمل .. والفرح ُ يعلو سرائرهم ..

أنصحكم إن مرّت بنا الأيام .. وأعادو هذه الكرّة في أيّ مكان في العالم .. أن تحضرو ولا تفوتو هذه الفرصة َ أبدا ً ..

والله إن لم يُنلنا من هذا الإستسقاء مطرا ً .. مؤكد ٌ أنـّه سيعوّضنا بشيء غيرُه ..

ولكن بالمقابل .. يجب أن نـُعاقب أنفسنا .. وأن نصدها عن هواها ...

فيا ربّ ثبت أقدامنا وارحمنا وعافنا واعف ُ عنا ..

وصدق الشاعر حين قال ::

يا خالق الأكوان باللـُطف ِ عاملني
مالي عمل يُرضيك أنتَ الغني عني

وآخر صدق حين قال ::

سُبحانَ من عَنـَت ِ الوجوهُ لذاتهِ
ولبأسـهِ تـَعلو الرِّقابُ وتـَخضعُ !


سُبحانَ من غـَمَرَ الوجود َ جمالهُ !
من ذا سواهُ لكل ِّ كـَرب ٍ يَدفع ُ ؟


ما خابَ من يَرجو؛ ناداك َ:(يا ربْ) بلهفةٍ
ما خاب َ من أمسى لبابــِك َ يَقرعُ


وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال ..

هناك تعليق واحد:

ايناس نور يقول...

بالفعل الله سبحانه لا تنفك عطاياه من كل جانب و قد صليت صلاة الإستسقاء قبلا و أحسست بمثل هذه الأحاسيس الروحانية و ذاك الذل الذي وقع على الجمع و هم يدعون و يتضرعون و أحسب أن القلوب أحوج لمثل ذاك الغذاء الذى تزودت به بعد القيام بتلك العبادة ......فى مثل هذه الظروف يجب لسقائنا الإيمانى التجدد كل فترة و إلا ضعنا وسط هذا الواقع المريب أشكرك حبيبتى البتول على هذه الذكرى الحنونة التي أيقظت بها كامنا ........... تحياتى لك