شقيق ُ الروح : هو إنسان ُ ُ اصطفته نفسـُـك َ من كل ِّ الخـَـلق ، فتجد نفسك َ تأنس ُ بالقــُرب ِ منه اُنس َ النفس الرَحيمة ، ويشتاق ُ عند َ البـُعد ِ شوق َ المُحـب ِّ للمحبوب ، فتراه يـَعـُد ُّ الدقائق َ لحين ِ لحظة ِ اللقاء ..
هو شقيق ُ الروح ِ من القلب ؛ اصطفاه عن كل ِّ الأخوة ِ الذين يضعهم الله في شجرته العائلية ، ويقوّي صلته به عن طريق الشجرة ِ الربـّـانيّـة .. فيكون لها نـَبات ٌ حَـسـَن ُ ُ وتربة ُ ُ مُـخضرّة تؤتي اُكلها أضعافا ً بإذن ربّـها ..
حين الفراق الأوّل لم تكن لتدرك أنـّـه يعني لك ذلك الشيء الكثير ولكن ما إن تمر الدقائق ُ والأيـّـام .. حتى تـَـشعر بالوحشة والفراغ .. وأن ّ الكون َ ضاق َ عليك َ بوسعه .. وأن ّ اجتماع الناس حولك ومساندتهم لك .. لم يكن إلا ّ ليشعرك بل وحتى ليزيدَ من شعورك بعدم قربه منك جسديا ً .. لكن ّ روحه تسري في قلبك .. فتخفف وحشتك بين مئات الناس .. لا لوجودهم ومسامرتهم لك ؛ بل لأن ّ روحه قد زارتك َ توّا ً ..
تسير ُ بك َ الأيام ، لتجعلك تلتقي بمن يصل ُ على شجرته بـ صــِـلة .. فتجد روحك قد طارت ورفرفت عاليا ً .. وقد اخترقته بلطف ٍ من شـِدّة ِ شوقها إلى شقيق ِ الروح .. لكنـّـك ؛ تراه مُنـْبـَهــِـتا ً لا يدري سبب تهافـُـتـِـك الشديد هذا ! .. لأنه لم يعتد عليه .. وأنت لم تكن لتعانقه هو ؛ بل شقيق روحك ، ولا لتشم رائحته؛ بل روح شقيق روحك ..
فتجد ُ نفسك َ بذلك بعض سـَـلواها .. وتسرية ُ ُ عن نفسها قليلا ً .. ليزيد بعد ذلك شوقها لك ، وشعورها بفـَقدِك ...
لن يكون الكون ليعوِّضـَك عنه ، ولن يُسلـِّـي وجوده شيئا ً عن نفسك .. فالذين يُريدونك أن تخرج َ منه وتهرب ، تجدهم قد وضعوك َ في حـَلـَقة ٍ مُفرغة .. وأعادوك إلى نقطة البداية .. لكنهم قامو بوجودهم بتكبير حلقة شوقك له .. وبُعده ِ عنك ..
والجميل ُ في ذلك فقط ! ؛ أنـّـك َ تظن نفسك الوحيد من فارق َ من يحب .. فيذكر كـُل ُّ واحد ٍ منهم سـَـلواه وعزاءه لحبيب فارقه؛ فراقا ً مؤقتا ً أو دائم .. ولا تكن الدمعة حبيسة قلبه وصدره وجفنـِه ْ ، حتى تخرج .. فتجد بذلك بعض َ عزاءك ، بل وأصبحت َ أنت َ من يُسري عن أنفسهم ..
كم تـَسعد لوجود من يقربون جذوره .. فيُـبـَرِّد ُ ذلك حميم َ قلبك ويُهدِّئ تأجج َّ ضـِرامك .. فكأنـّـهم لوهلة ٍ من الزمن قد أصبحوا وغـَدوا أقرباء ً لك .. فأصبح من البر ِّ بروحك َ أن تـَصـِـلـَهـُم وتـَزُورَهُـم ..
ما يُـفرح ُ قلب َ الحـَزين ، ويُسري على قلب ِ المكلوم .. هو أننا ما زلنا على أرض ٍ واحدة ٍ نطئها .. وإن بَعـُدَت ْ بنا المسافْ .. وأننا ما زلنا نتنفس ُ هواء ً واحدا ً .. وإن كان مُـختلفا ً ..
ما زلنا نرى قمرا ً واحدا ً .. بقلب ٍ واحد ..
وتطلع ُ علينا الشمس ُ كُـل َّ صباح ٍ جديد .. تـُبَـشـِّر ُ بدُنو ِّ الأيام .. واقترابها من اللقاء ..
منهم من عادت الأيام فقابلتني بهم .. ومنهم ليس َ بعد ْ !!
لكنـّـي أتأمل أن يكون الآن .. قبل َ أن يغدو في السماء ...
سأسلــِّم ُ نفسي للأقدار .. علـّـها تهديني إلى سواء السبيل ْ.. وأفتح ُ بابي للأخيار .. عـَـلـِّـي أرى منهم الدليل ْ .. تاهت بي الدُروب ُ والأقمار .. وما عاد لقلبي هواء عليل ْ .. فاستـَشـْرَت الأيام ُ بدربي .. وكررت نفسها ؛ علـّـها تـُقـْنـِعـُنـِـي بما لديها .. فلم أتمالك لنفسي مـَخرجا ً أو سبيل ْ ..
وَ طريق ُ الحياة ِ طويل ٌ .. ودائرة ُ التكرار ِ لا بدّ أن تـَـزيـْل ..فـ حياتـُـنا مرهونـَـة ٌ بذا الطـَريق ِ وذا الطـَّريق ..
لـَوحات ٌ متكررة ٌ بدوّامة ِ الأيـّـام .. تنسَـجــِـم ُ مع دوّامة ِ النسيان ، ولا بدّ لنا من اختيار الطريق ..
فإما نقضيها بتكرارها وأنفسنا .. وإمـّـا نسير ُ في الطريق ِ المستقيم ..
ننتهي في الليل من ضجيج اليوم ِ بأكمله ، ونـَرْكـُـن ُ فيه إلى رُكـْن ِ النفس .. ذلك الركن الذي لا يركن فيه ِ أحد ٌ سوانا ،
نجده ُ دوما ً ينتظرنا في نفس هذا الوقت ، جالس ٌ على استحياء ، وقبل أن تبدأ النفس بالكلام تجدها تتساءل ؛ ما السر ُّ في هدوء هذا الكون ِ في نوم ِ أهله ؟ ،
وكأنـّه في ذلك مـَدعاة ً للناس ِ للنظر في ذلك الذي يَرقـُد ُ بين َ طيـّـات أنفسهم ، منهم من يجده ُ وحيدا ً ، ومنهم من يجدوه غريبا ً مجهولا ً ، ومنهم من يكون الصديق فينتظرون هذا الوقت حتى يلتقون ويتسامرون ويتصافون فيما بينهم ..
ولا شك ّ أن ّ في هذا الوقت يتسامر المحبّون بينهم ، فتعالى في علاه كانت ركعتان إليه هي أجمل ُ سَمَـر ٍ إلى عبيده ، فما ينتهون منها ، حتى تهدأ أرواحهم وتطمئن ، وكأنـّها بذلك قد وجدت ضالتها ، والتقت بذلك مع من تـُحب ،
ذاك الذي يـُـحبـّه كـُل ُّ شيء ٍ في الكون قبل أن يَـفهم الـحـُب َّ ويتعرّف إليه ...